شي يستعرض القوة النارية: الصين لن تُستَضعف مجدداً
ديفيد بيرسون- نيويورك تايمز
Thursday, 04-Sep-2025 07:21

أشرف زعيم الصين، شي جينبينغ، على عرض عسكري ضخم، في بكين أمس، تضمّن مقاتلات وصواريخ وجنوداً يسيرون بخطوات عسكرية صارمة، فيما وجّه تحذيراً شديداً لخصومه بعدم تحدّي سيادة بلاده.

تعزّزت رسالته بالزعماء الذين وقفوا إلى جانبه في المنصة المخصّصة للعرض، ويمثلون دولاً شكّكت أو تصدّت لهيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي. فقد كان إلى جانبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بالإضافة إلى قادة إيران وباكستان ودول أخرى يغلب عليها الطابع السلطوي.

 

أُطلقت المدافع 80 مرّة لإحياء ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، فيما حمل الجنود العلم الصيني وساروا على بساط أحمر يُغطّي جزءاً من ساحة تيانانمين. وقد لوّحت الحشود الصغيرة بالأعلام وأدّت التحية أثناء عزف النشيد الوطني ورفع العلم. ولاحقاً، أُطلقت في الهواء حمام وبالونات، قيل إنّ عدد كل منهما بلغ 80 ألفاً.

 

كان العرض أبرز محطات حملة استمرّت أسابيع، قادها الحزب الشيوعي الحاكم لإذكاء النزعة القومية، وإعادة صياغة دور الصين في الحرب العالمية الثانية، وإبراز الحزب باعتباره منقذ الأمة من المعتدي الأجنبي، أي اليابان الإمبراطورية. واستدعاء ذكريات الحرب يخدم في حشد الدعم الشعبي الصيني داخلياً في مواجهة حالة الغموض الاقتصادي والتوتر مع الولايات المتحدة، التي اتهمها شي بمحاولة كبح الصين وقمعها.

 

وأكّد شي: «إنّ الأمّة الصينية أمّة عظيمة لا تخشى الطغيان وتقف شامخة على قدمَيها». ورَبَط مباشرة بين التضحيات في الحرب العالمية الثانية والتحدّيات التي تواجهها الصين اليوم، مضيفاً: «حين واجه الشعب الصيني في الماضي صراع حياة أو موت بين العدالة والشر، بين النور والظلام، بين التقدّم والرجعية، توحّد في كراهيّته للعدو ونهض للمقاومة». وصوّر التوترات الراهنة على أنّها خيار مصيري آخر، بين السلام أو الحرب، الحوار أو المواجهة، مؤكّداً أنّ الصين ستقف في صف التقدّم.

 

كان الحدث غنياً بالرمزية التي تربط الحزب الشيوعي الحالي بماضيه الثوري. اجتمع القادة الصينيّون الكبار، السابقون والحاليون، إلى جانب شي، الذي ارتدى بزة على الطراز الماوي، مذكِّراً بمؤسس جمهورية الصين الشعبية.

 

وفي وقت لاحق، وقف شي من فتحة السقف في سيارة «هونغتشي» (العلم الأحمر) الصينية الصنع - وهي سيارة تستحضر حقبة ماو وطموح الصين لتحقيق الاكتفاء الصناعي الذاتي - بينما استعرض قوات جيش التحرير الشعبي. وخاطبهم قائلاً: «تحياتي، أيها الرفاق. أنتم تعملون بجد!».

 

أدار الجنود رؤوسهم في تزامن مثالي مع مرور سيارة شي أمامهم، وردّدوا بصوت واحد: «اتبعوا الحزب! قاتلوا لتنتصروا! شكّلوا قدوة يُحتذى بها!». ولإظهار جاهزيتهم القتالية، ركض الجنود حاملين أسلحتهم أمام الدبابات التي تحمل الصواريخ، وقفزوا إلى مركباتهم.

 

إنّ حضور بوتين أبرزَ الطريقة التي سعت بها الصين وروسيا إلى مواءمة تاريخهما، إذ يقدّم كل طرف الحرب العالمية الثانية دليلاً على تضحية بلاده، ومبرّراً للمطالبة بدور أكبر في النظام الدولي بعد الحرب.

 

وأوضح جوزيف توريغيان، الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية: «بالنسبة إلى كل من شي وبوتين، كان النصر مكلفاً لكنّه غير مكتمل. فهما يعتقدان أنّ «قوى الهيمنة» ما زالت تسعى إلى فرض نموذج أجنبي عليهما، ولمنعهما من احتلال موقعهما المستحق في العالم. والآن، يريدان استغلال ذكرى الحرب لتحصين الأجيال المقبلة ضدّ القِيَم الغربية ولإضفاء الشرعية على النظام العالمي الذي يتصوّرانه». لم تمرّ رسالة شي من دون ردّ. ففي غضون دقائق من بدء المراسم، تدخّل الرئيس دونالد ترامب من واشنطن، متّهماً شي بتجاهل دور أميركا في مساعدة الصين أثناء الحرب.

 

كتب ترامب، أنّ «السؤال الكبير» هو ما إذا كان شي سيذكر «الدعم الهائل و«الدم» الذي قدّمته الولايات المتحدة للصين لمساعدتها على نَيل حريتها من غازٍ أجنبي شديد العداء. أرجو أن تنقلوا أحرّ تحياتي إلى فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، بينما تتآمرون ضدّ الولايات المتحدة». وردّ الكرملين عبر ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين على الاتهام: «دعونا نأمل أن يكون المقصود مجازياً. لا أحد يُخطّط لأي مؤامرات، لا أحد لديه الرغبة ولا الوقت لذلك».

 

لم يكن عرض شي مجرّد إحياء للماضي، بل رسالة إلى الغرب عن صعود الصين «الذي لا يمكن وقفه».

 

وقد استُعرضت خلاله صواريخ مدمّرة للسفن، طائرات قتالية بلا طيار، وغواصات مسيّرة، في دليل على استثمارات الصين في الابتكار العسكري، بينما تزداد منافستها للولايات المتحدة على الهيمنة العسكرية في آسيا. كما وجّه شي تحذيراً ضمنياً إلى تايوان وداعميها الدوليِّين من مخاطر أي تحرّك نحو الاستقلال الرسمي.

 

وفي خطابه، تعهّد شي بحماية السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية: «كان جيش التحرير الشعبي الصيني دائماً قوة بطولية يمكن للحزب والشعب أن يعتمدا عليه بشكل كامل».

 

كما عكس حضور الضيوف مدى تعمّق الهوّة بين بكين والغرب، خصوصاً بسبب تقارب الصين الوثيق مع روسيا في حربها في أوكرانيا. وكان لافتاً غياب ممثلين رفيعي المستوى عن الديمقراطيات الغربية الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة. لكنّ قادة العديد من دول جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى حضروا العرض، في إشارة إلى نجاح الصين في تعزيز شراكاتها الإقليمية.

 

واعتبر ريان هاس، مدير مركز الصين في مؤسسة بروكينغز، أنّ «شي يدفع باتجاه قبول الصين كقوة عالمية مركزية، وإعادة صياغة النظام الدولي بما يتماشى أكثر مع تفضيلات الصين. ويَعتبِر حضور قادة آخرين عرضَه دليلاً على التقدّم نحو أهدافه».

الأكثر قراءة